Nazra

eg

,

نظرة داخل مذكرات نشال ومسلسل النص لأحمد امين

مسلسل “النص”: من مذكرات نشال إلى دراما مشوقة

في عشرينيات القرن الماضي، نُشرت لأول مرة مذكرات فتوة للمعلم يوسف أبو حجاج، وهو ما ألهم شخصًا آخر للبحث عن الكاتب حسني يوسف ليطلب منه نشر مذكراته هو أيضًا تحت اسم “مذكرات نشال” للمعلم عبد العزيز النص. وهنا يطرح السؤال نفسه: ما الذي قد يكون مثيرًا في حياة نشال؟ والإجابة ببساطة: لا شيء.

لكن الحكاية نفسها ممتلئة بالتفاصيل، تبدأ بعبد العزيز الذي تعلم النشل منذ الطفولة وأصبح محترفًا، لكنه لم يكن يحسن التصرف في المال، فكانت ثروته تضيع باستمرار. حتى عندما ورث أموالًا، عاد إلى النشل مجددًا بعد أن خسرها، ثم حاول التوبة وافتتاح مشاريع لكنها فشلت بسبب الأوضاع الاقتصادية. لاحقًا، حصل على وظيفة كمسري في الترام لمدة ثماني سنوات قبل أن يُطرد بسبب مشكلة مع مديره، ليعود للنشل مرة أخرى حتى جمع ثروة كبيرة. ثم فاجأ زوجته بأنه سيتوب وسيفتح مشروعًا جديدًا وسيتزوج عليها، فجاء ردها: “عين العقل ياخويا”.

تحويل المذكرات إلى دراما

رغم أن الأحداث تبدو مملة، إلا أن الكاتب أيمن عثمان وجد فيها قيمة تستحق إعادة النشر، حيث تقدم المذكرات لمحة غنية عن تلك الفترة الزمنية، بما في ذلك أساليب النشل، لغة النشالين، أسماء الشوارع المتغيرة، الوظائف المنقرضة، وانتشار الفقر والأوبئة بسبب الحرب العالمية الأولى. كما تسلط الضوء على انتشار الغجر، العوالم، المخدرات والخمور، ودوافع السلوك الإجرامي، والعلاقة بين الجريمة والأخلاق والفقر.

ولكن لو نُقلت هذه المذكرات حرفيًا إلى الشاشة، فستظل مملة. هنا جاء دور ورشة الكتابة التي ضمت:

  • شريف عبد الفتاح
  • عبد الرحمن جاويش
  • وجيه صبري
  • أيمن عثمان
  • أحمد أمين

والنتيجة؟ مسلسل “النص”، الذي لم يكتفِ بسرد القصة بل أعاد تقديم العصر بكل تفاصيله من لغة الحوار، الملابس، الشوارع، وتفاصيل الحياة اليومية. أصبح المسلسل أكثر من مجرد سرد متكرر للسرقات، بل صارت الأحداث أكثر تماسكًا بدوافع منطقية. كما تم التلاعب بالشخصيات، فظهر شخصيات جديدة، وتغيرت مصائر شخصيات أخرى، مما أضفى على العمل مزيدًا من العمق.

التنفيذ والإخراج

الإخراج والتصوير والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة كان ممتازًا. الألوان، المونتاج، والإضاءة كلها أضافت للمسلسل لمسة جمالية واضحة. حتى التتر كان من أفضل تترات مسلسلات رمضان، من حيث الكلمات، اللحن، وتغير الإيقاع بين المشاهد المختلفة. شخصيًا، لم أقم بتخطي التتر ولو مرة واحدة، بل أضفته إلى قائمة الاستماع الخاصة بي.

الكوميديا الذكية

الكوميديا في المسلسل كانت على طريقة أحمد أمين والورشة بالكامل، وهو نوع من الكوميديا الذكية التي لا تجبرك على الضحك، بل تجعلك تبتسم أو تستمتع بالمشاهدة دون استظراف أو افتعال. لم يكن هناك صراخ أو مبالغات، وهذا ما جعله مريحًا للمشاهدة. انضمام شخصية إسماعيل أضاف نكهة كوميدية مختلفة، ورغم أنني شخصيًا لم أحب طريقة الكوميديا الخاصة به، إلا أن وجوده كان نقطة قوة لأنه أعطى تنوعًا للمسلسل.

التفاصيل التي صنعت الفرق

التفاصيل الدقيقة في النشل كانت ملفتة، حيث لم يقتصر الأمر على مشاهد “لمس الضحية وسرقة الشيء في ثانية”، بل كان هناك استعراض لطريقة تنفيذ عمليات النشل. ورغم أن طريقة النشل بالمشرط كانت من أشهر الطرق في المذكرات الأصلية، إلا أنها لم تُستخدم في المسلسل، وهو قرار منطقي لاعتبارات عديدة.

الأداء التمثيلي

معظم الممثلين قدموا أداءً مقنعًا جدًا، باستثناء أحد الشخصيات في بداية المسلسل التي بدت غير مقنعة، خاصة مع استخدام العربية المكسرة والإنجليزية في محاولة لصناعة شخصية شريرة. لكن مع مرور الوقت، إما أن الأداء تحسن، أو أنني اعتدت عليه.

أما أحمد أمين، فكان أداؤه رائعًا، لكن في بعض المشاهد العاطفية شعرت بأنه “يمثل”، مما أفقدني الاندماج، مثل مشهد البحث عن الصفارة في مسلسل الصفارة، أو مشهد تعاطفه مع إيبو في الوصية.

أكبر خطأ في التسويق

نقطة التسويق كانت من الأخطاء القاتلة، حيث أن البوستر الرسمي للمسلسل حرق جزءًا كبيرًا من الأحداث، خاصة المتعلقة بتكوين الفريق الرئيسي. من شاهد البوستر، أدرك مباشرة أن القصة ستدور حول تنظيم ما، سواء كان سرقة أو مقاومة للاحتلال، مما جعل كثيرًا من الأحداث متوقعة. وبالتالي، من شاهد البوستر وجد إيقاع الأحداث بطيئًا ومتوقعًا، أما من لم يشاهده فقد استمتع بالإيقاع السريع والمفاجآت.

درويش: الشخصية التي كان يجب أن تموت

أداء شخصية درويش كان رائعًا جدًا، وكثيرون تعاطفوا معه لأن المسلسل صعّب حياته في كل شيء، مما جعله مؤهلًا للموت في الثلث الأخير لخلق تأثير درامي قوي. لكن بدلاً من ذلك، تم إنقاذه بشكل غير منطقي، وبقينا غير متأكدين من وفاته. الأسوأ أنه خان صديقه، تزوج واشترى التياترو بدون أي إحساس بالذنب. بصراحة، كنت أتمنى أن يكون موته مؤكدًا بدلًا من هذا الالتفاف.

لكن من جهة أخرى، أحببت أن دوافع عبد العزيز النص لم تتغير حتى النهاية، وظل يفكر في مصلحته أولًا، حيث خدع الجميع واستمر في خطته لسرقة الجوهرة. هذه كانت نقطة عبقرية في الكتابة، لأنها حافظت على شخصيته الحقيقية حتى النهاية.

Facebook
Twitter
Pinterest
LinkedIn

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *